إن الاعتراف بالجميل و الوفاء للدماء الطاهرة
الزكية التي أريقت في ثورة ولدت من رحم المعاناة التي تكبدها الوطن الغالي ليبيا
وشعبه البطل، ثورة استعادة الكرامة و الوطن المسروق من أيدي الطغاة المستبدين و إنقاذ الشعب من النفق المظلم الذي تاه في
دهاليزه طوال 42 سنة عجفاء، يوجب علينا أن نناضل حتى الرمق الأخير لنطهر كافة
أجهزة الدولة من زبانية الطاغية المقبور و المجرمين والفاسدين بشتى أنواعهم و
فئاتهم.
عندما تولى سيدنا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء
الراشدين إمارة المؤمنين، عزل كل القضاة الذين تولوا القضاء في ولاية الحجاج، فقال
أحدهم: لم عزلتني و لم أتول القضاء إلا شهر واحد، فرد عليه أمير المؤمنين: يكفي
أن الحجاج رضي عنك فعينك.
و حيث أن
الدجال المردوم كان لا يقرب إلا الفاسدين و المجرمين و المنافقين و المتملقين،
و من المعروف أن الطريق إلى المناصب كانت تمر حتما إما بمكتب الاتصال باللجان
الثورية سيئة السمعة أو بالأجهزة الأمنية المجرمة، أو عن طريق بيع الدين و العرض و
الشرف و الكرامة، أو بأي أمر يثبت الولاء التام لشخص الدجال و نظامه؛ فإننا
نطالب المؤتمر الوطني العام و كل أجهزة الدولة ، وبشدة و حزم بإيقاف هؤلاء
المتسلقين بحكم الدستور و القانون، و منعهم من تقلد أي
منصب قيادي في أي من أجهزة الدولة - كبيرا
كان أو صغيرا - حتى نتجنب أي احتمال لتكرار مأساة الشعب الليبي مرة أخرى.
إن العيب في الغالب ليس في المناصب بحد ذاتها، بل في طريقة
الوصول إليها أو سوء استغلالها، و نحن
إذ نطالب بذلك الإجراء، نؤكد بأنه ليس من باب العقوبة مطلقا، بل هو إجراء أو قانون
احترازي وقائي، لحماية الثورة من الانتكاس، و ليسعد الشعب الليبي البطل بقطف ثمار
النصر و لا تذهب تضحياته - التي لا تقدر بثمن - أدراج الرياح.
و حيث أن زبانية الطاغية و أقاربه و أتباعه قد
باعوا ضمائرهم للشيطان، و مردوا على النفاق، و الكذب و المراوغة و التملق و
التسلق، و تمرسوا في ذلك و تدربوا عليه طيلة سنوات حكم سيدهم الدجال؛ الطويلة
المريرة، و جندوا الأتباع، و نهبوا الأموال التي تساعدهم في شراء الذمم والأبواق
الإعلامية و المستشارين السياسيين و الإعلاميين و النفسيين و القانونيين، الذين لا
قبل لشعب بسيط بهم – و خاصة أنه تعرض
لتجهيل إجباري ممنهج طيلة تلك المدة ، علاوة على تحصلهم على كل الفرص اللازمة إبان
حكم سيدهم الدجال لتعليم أبنائهم أو شراء شهادات عليا لهم، و تكوين شبكات مشبوهة من
العلاقات الاجتماعية و السياسية في الداخل و الخارج.
إن عدم إصدار قانون العزل السياسي يعتبر قتلا للثورة ، و هو
الإقصاء بعينه ،، إنه إقصاء للشرفاء و النبلاء و الأكفاء من أبناء هذا الوطن، و
الذين استبعدهم الطاغية المردوم طيلة فترة حكمه البائس، بل و نكل بهم و أخفاهم عن
الوجود. و الآن يريد مؤيدو الدجال الذين سيطروا على الحكم و نسجوا حوله شباكهم
العنكبوتية اللزجة، يريدون إقصائهم من جديد و عدم منحهم أي فرصة ، عن طريق تسمرهم
في الكراسي و المناصب و حكم البلاد بنفس الأسلوب الفاسد الذي حكموها به طيلة
السنين الماضية.
أيها الإخوة، يجب أن نتذكر دائما أن الطاغية الدجال لم يحكمنا
لوحده، و لم يفسد ليبيا لوحده، و لم يقتلنا لوحده ، و لم يعذبنا لوحده ،، بل عن
طريق هؤلاء الذين ينعقون الآن ضد قانون العزل السياسي ، متذرعين بحجج واهية و
أعذار لا تنطلي حتى على المجانين، و كأننا بدعا من الأمم ، و بدعا من الثورات.
و إننا ، و إن لم تكن ثورتنا كالثورة الفرنسية حيث ظلت المقصلة في
صعود و نزول تقطع الرؤوس الفاسدة، لمدة عشر سنوات، فإننا لا نرضى و لن نرضى أن
تكون مثل الثورة الرومانية التي انتكست ، بعد أن قضت على رأس النظام ، فأعدم
ثوارها و نكل بهم أشد التنكيل، و ما محاكمة الشيخ مصطفى عبد الجليل رمز الثورة و
الثوار إلا إرهاص لما سيحدث للثوار قريبا، إذا ما استمر أتباع الدجال في سدة الحكم
و مفاصل الدولة و أجهزة القضاء.
عليه:
فإننا نطالب المؤتمر
الوطني العام المنتخب، و رئيس الحكومة المؤقتة و البرلمان القادم إن شاء الله؛ أن
يسن كل القوانين و يضع كافة الإجراءات و بنود الدستور الكفيلة بإيقاف كل من
تحوم عليه شبهة قوية لأي من الصفات السالف ذكرها، و دون انتظار
أحكام المحاكم و إجراءاتها الطويلة المعقدة، لمنع أولائك الفاسدين و أتباع
الدجال ؛ من تولي المناصب القيادية في الدولة الليبية الجديدة (ابتداء من
المؤتمر الوطني العام أو البرلمان أو الحكومة، و حتى مدراء المدارس و المستوصفات)
و كذلك عن العمل السياسي بمختلف صوره بما في ذلك تشكيل الأحزاب أو التجمعات
السياسية أو الانضمام إليها أو الترويج لها. و لمدة لا تقل عن 40 عاما.
هذا مطلب فوري و عاجل و لا يقبل التأجيل أو التسويف، و بدون
إجراءات، أو محاكمات أو غيرها، فلا نرضى أن يكون مديرو المدارس و المعاهد و
الجامعات التي تُعلم أبناؤنا؛ من خريجي مكتب الاتصال باللجان الثورية القذافية
الآثمة، و ننتظر حكم المحكمة الذي قد يصدر بعد 10 سنوات (حيث يصبح طالب الابتدائي
في الجامعة و يصبح طالب الجامعة أستاذا فيها) ، هذا إن صدر.
و نؤكد على أن هذا ليس من باب العقوبة بل من باب الوقاية و
الاحتراز. إن ليبيا العظيمة ولادة، و لن نعدم البديل التقي الوطني المخلص النزيه
أبدا – وليكن الحد الأدنى من المواصفات في
كل من يتقلد منصبا الصدق و الأمانة و لو
كان من الثوار، و هي صفات سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم حتى في الجاهلية، و قد أرسى سيدنا أبو بكر
الصديق هذا المبدأ سياسيا حيث كان أول ما قاله في خطبة توليه الخلافة (الصدق أمانة
و الكذب خيانة).
أيها الإخوة، إن أي احتمال بأن تنتكس الثورة أو أن تعجز عن تحقيق
أهدافها المنشودة – مهما كان ذلك الاحتمال ضئيلا - لهو أمر مخيف و مرعب حقا.
فلنعمل جميعا ما في وسعنا على ألا يحدث.
لهم أن
يمارسوا كافة أنواع النشاط الاجتماعي و الاقتصادي متمتعين بكامل حريتهم، حتى تنظر
المحاكم في أمرهم (حيث ستأتي الأحكام إما بالبراءة، أو برد الحقوق و الأموال
المنهوبة و المغصوبة، أو بالغرامات، أو بالسجن أو الإعدام)
أما أن
يحكمونا، و بنفس الأسلوب الذي كانوا يمارسونه إبان حكم الطاغية!
فلا و ألف
لا.
و نقول
لأعضاء المؤتمر و لكل من له علاقة بالأمر: "إذا لم تسرعوا بسن القوانين
الرادعة لأزلام المقبور، و إذا لم تسرعوا في تطهير القضاء من جراثيم الطاغية و
فيروساته المدمرة، فقد خنتم دماء الشهداء، و خذلتم الجرحى والأرامل و الثكالى
واليتامى و المغتصبات. فابشروا بحرب من
الله و رسوله و المؤمنين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق