السبت، 5 يناير 2013

القروض والقروض الربوية - فكرة و حل



من المعروف أن المصارف غالبا ما يكون لها دور هام في تحريك عجلة الاقتصاد و التنمية في جميع أنحاء العالم، و قد كانت ليبيا استثناء فريدا لتلك القاعدة أثناء فترة حكم الدجال النافق، و خاصة منذ بداية حربه التي شنها على القطاع الخاص بدعاوٍ فاسدة مثل مناداته بالاشتراكية و غيرها.

و رغم أن تلك الحرب المعلنة و الفساد الذي كان مستشريا في عهد الدجال، كانت الأسباب الأساسية في عرقلة حركة التنمية و تحجيم دور المصارف فيها، إلا أن الملابسات التي كانت و لازالت تصاحب عمليات الإقراض المصرفية ، و خاصة ما يسمى بالأرباح أو الفوائد، جعلت الكثير من الناس يبتعدون عن التعامل بالقروض المصرفية بحجة عدم شرعيتها من الناحية الدينية.

و إذا نظرنا إلى أهم أنواع القروض المصرفية في ليبيا لوجدناها تتمثل في 3 أنواع رئيسية هي:
1.     السلف الاجتماعية.
2.     القروض العقارية.
3.     القروض الاستثمارية.
و جميع تلك الأنواع يصاحبها ما يسمى بالفوائد أو الأرباح.
و تجدر الإشارة إلى أنه قد تم مؤخرا محاولة الالتفاف حول ذلك الأمر بوضع ما سمي بأسلوب المرابحة، حيث يقوم المصرف بشراء الغرض الذي يرغبه الشخص أو الجهة ، ثم يقوم ببيعه إليه بسعر أغلى و بالتقسيط ، و رغم أن هذه العملية تبدو شرعية في الظاهر ، إلا أن تعقيدها و ما يكتنفها من غموض ، و سهولة التلاعب بها من قبل بعض الحذاق أدى إلى استغلالها استغلالا سيئا و مؤذيا، فمثلا يتم بيع السيارة من التاجر إلى المصرف، ثم من المصرف إلى المشتري بثمن أعلى، ثم من المشتري إلى التاجر مرة أخرى بنفس ثمن الشراء الأول أو أقل، ثم من التاجر إلى مشتر آخر و هكذا. و ليس الغرض من هذه العملية كلها إلا حصول المشتري الأول على سيولة مالية معقولة يتم استغلالها في التجارة أو غيرها ، ما يدر أرباحا تعوض خسارته بعدة أضعاف.
 و لا أجد تعبيرا يقال هنا أفضل الآية الكريمة : {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9 ، فالله سبحانه و تعالى لا يخدع.
في الحقيقة إن إلغاء الفوائد بالشكل السطحي الذي يتم الحديث عنه يترتب عليه جانبين؛ أحدهما اقتصادي و الآخر شرعي:
أولا الجانب الاقتصادي:
هنا يرد إلى الذهن فورا سؤال مفاده: إذا ألغينا الفوائد فكيف يمكن مواجهة مشكلة التضخم التي تتعرض لها العملة الورقية ، حيث أن العملة الورقية غالبا ما تقل قيمتها الشرائية (و تزيد في أحيان نادرة) و لتبسيط الأمر نضرب المثال التالي:
اقترض "فالح" من صديقه "سامح" مبلغ 10,000 دينار ، كان سامح قد وفرها بغرض شراء أرض معينة. إلا أنه أقرضها لصديقه تقديرا لظروفه. و بعد سنتين أرجع "فالح" كامل المبلغ إلى صديقه "سامح" مع عبارات الشكر و الثناء، و عندما ذهب سامح لشراء الأرض التي يحلم بها وجد أن سعرها أصبح 20,000 دينار، و كذلك قطع الأرض المماثلة لها. فهل هذا عدل ؟
فإذا فرضنا أن "فالح" يمثل المواطن و "سامح" يمثل المصرف الذي لا عمل له إلا الإقراض، لوجدنا أن ثروة المصرف سوف تنقص إلى النصف كل سنتين، حتى تتلاشى تماما و يتلاشى معها المصرف.
ثانيا الجانب الشرعي:
ببساطة و بكل راحة ضمير نستطيع القول بأن "فالح" قد ظلم صديقه "سامح" و أنه قد أكل مالا حراما حيث قام بقضاء حوائجه بمال صديقه و في نفس الوقت أضر بصديقه ضررا بالغا، و هذا ما لا يُرضي الخالق و لا المخلوق، و أن سامح سيقسم ألا يقرض أي كان فلسا واحدا بعد ذلك و لو كان أبوه، بل ربما غير اسمه من "سامح" إلى "شداد". و في ذلك ما فيه من ضرر للمجتمع و عرقلة للاقتصاد و تباغض بين الناس.

و الحل؟

نتساءل هنا: لماذا نتذكر وقت الزكاة (زكاة الفطر أو زكاة المال) أن العملة الورقية ليست عملة شرعية (حيث أنها غير ذات قيمة في حد ذاتها، و لكن قيمتها تتغير بتغير قوتها الشرائية) فنقوم بمعادلتها بالعملات الشرعية المتمثلة في النقدين (الذهب أو الفضة) أو الأطعمة المنصوص عليها شرعا، بينما ننسى أو نتناسى ذلك عندما نتعامل  مع المصارف أو تتعامل هي معنا ؟
إن الحل – في نظري - يكمن في معادلة المبلغ - الذي يتم إقراضه - بالعملة الشرعية ، و ذلك حين الإقراض و حين السداد.
ربما تبدو الفكرة غريبة أو معقدة أو صعبة التنفيذ ، إلا أنها غير ذلك تماما ، إذا رغبت الدولة في أن تساعد المواطن و تشارك في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، دون الإضرار بالاقتصاد الوطني أو برؤوس أموال المصارف و ودائعها، سواء كانت تلك الودائع مملوكة للدولة أو للأفراد أو للشركات و الهيئات العامة و الخاصة.

و لتوضيح الفكرة نضرب هذا المثال:
اقترض "صالح" من المصرف التجاري مبلغ 100,000 دينار لغرض القيام بمشروع تجاري، على أن يقوم بإرجاعه خلال 100 شهر.
يقوم المصرف بمعادلة المبلغ المراد اقتراضه بقيمته من الذهب،  و لنفترض أن سعر الذهب يوم الاقتراض كان 100,000 دينار للكيلو جرام الواحد، فتسجل في عقد الإقراض هكذا (اقترض السيد صالح من هذا المصرف ما قيمته كيلوجرام واحد من الذهب على أن يقوم بإرجاعه على دفعات شهرية قيمة كل منها 10 جرامات من الذهب).
و كلما جاء موعد سداد أي دفعة، ما على الموظف المختص إلا النظر في عداد بورصة الذهب المحلية ثم يضرب قيمة الغرام الواحد في عدد الغرامات المطلوبة لتلك الدفعة و يقوم بتقاضيها من السيد "صالح". و هنا يتحقق المبدأ الشرعي المنطقي و النبيل "لا ضرر و لا ضرار".
و بذلك يحافظ المصرف على أمواله و أموال الدولة و أموال المودعين، دون تقاضي فلسا واحدا من الفوائد المحرمة (فعليا).
أما إذا رغب المصرف في تنمية أمواله، فأمامه البورصة و الشركات المساهمة، و لديه الخبراء الماليون و الاقتصاديون الذين يستطيعون توجيهه إلى أفضل المجالات الاستثمارية، فعليه شراء أسهم في تلك الشركات الصناعية و الزراعية و التجارية و غيرها (أسهم و ليس سندات).
 و بالتالي يكون المصرف شريكا في تلك الشركات، و شريكا في تنمية الاقتصاد دون أن يخسر، و دون أن يرتكب حراما ، و دون أن يدفع الآخرين إلى ارتكابه.
و بذلك و بغيره من الأمور التي يراعى فيها شرع الله تعالى، تعم البركة و الخير، و يعم ليبيا الرخاء.
مجرد فكرة و رأي ، و الله تعالى أعلم.

مهندس / خالد أبوخبطة