الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

نزع السلاح أم تقنين السلاح


تسليم السلاح ,, إزالة المظاهر المسلحة,, إخراج ثوار المدن الأخرى من العاصمة،، ضم الثوار إلى الجيش الوطني أو الأمن الوطني،، ثوار الزنتان قاموا بتجاوزات،، ثوار مصراتة فعلوا كذا و كذا، اسطوانة تدور و تدور بلا كلل و لا ملل هذه الأيام و كأن الثوار هم سبب بلاء ليبيا و شقائها و كل مصائبها.
و كأننا نسينا أن القذافي قد سلح - خلال الثورة المباركة - مئات الآلاف من أتباعه و مريديه (هذا غير أعضاء اللجان الثورية و الأمن الداخلي و الخارجي و الحرس الثوري و الشعبي..الخ) و هؤلاء لازالوا يسرحون و يمرحون في طرابلس و غيرها من المدن، و هم من يجب استبعادهم و نزع سلاحهم، لا الثوار.
كل الدعوات و البرامج تدعوا إلى التخلص من الثوار، و كأنهم قد أصبحوا عبئا ثقيلا علينا. بدلا من أن نكرمهم و نبجلهم و نضعهم (مع سلاحهم) فوق رؤوسنا، فلولا أن الله سخرهم و أمدهم بكل تلك الشجاعة و البسالة لبقينا تحت نير الطاغية ردحا من الدهر، بل لانتقم منا شر منتقم لو انتصر لا سمح الله.
ثم يتمخض الجبل فيلد فأرا...

برامج هزيلة سخيفة واهية تسمى "ببرامج استيعاب الثوار"، و كأن الثوار لم يقاتلوا إلا في سبيل وظيفة أو دورة في الخارج أو حفنة من المال (نستردها منهم فيما بعد).
و كأن الثوار كانوا مجرد حفنة من الشباب "الصيع" العاطل، تنتظر من يتفضل عليها بفرصة عمل أو دراسة أو بعض المال.
أو كأنهم كانوا مشتاقين لحمل رشاش أو مدفع يتباهون به ، أو إلى ارتداء بزة عسكرية يتبخترون بها.
و المأساة أن كلمة ثوار اختزلت في المسلحين الذين يرتدون بزات عسكرية حتى لو لم يشاركوا في القتال. و يا ضياع من خرج في المظاهرات، أو وزع المناشير، أو اتصل بالقنوات الفضائية و أبلغ صوت ليبيا للعالم يوم كان الطاغية يخنقها ويخنقنا. و يا خيبة و أسف من اعتقل و عذب و انتهكت حرماته  و قتل أبناؤه دون أن يحملوا سلاحا.
و لا تنسوا أن أسلوب الرشوة هو من أساليب المقبور و نظامه البائد، فلا يشرفكم أن تعرضوها، و لا يشرف الثوار أن يقبلوها.
الجيش الوطني أو الأمن الوطني!

من قال لكم أن الشعب الليبي مغرم بالحياة العسكرية.
على العكس تماما، الليبيون يمقتون الحياة العسكرية، و لا يحبون أن يتحكم أحد بهم و بحياتهم تحكما دقيقا صارما.
كفانا 42 سنة من عسكرة الدولة و تنفيذ الأوامر بدون نقاش.
يا سادة يا كرام...
إن الشعب الليبي لم يخرج متظاهرا، و من ثم ممتشقا سلاحا انتزعه من عدوه إلا في سبيل الحرية و الكرامة و الديمقراطية، لا في سبيل فرص العمل أو لقمة العيش، فهو لم يكن جائعا.
الثوار هم من طلاب و أساتذة المدارس و المعاهد و الجامعات.
هم من التجار و أصحاب الأعمال و الفلاحين والمهنيين و الحرفيين.
هم من المحامين و القضاة و المهندسين و الأطباء.
و الكثير منهم له دخل معقول.
ليسوا عاطلين عن العمل .. ليسوا عاطلين عن العمل .. يريدون الحرية.. يريدون الكرامة .. يريدون الديمقراطية .. يريدون الشفافية. يريدون بناء وطن و حضارة، لا الحصول على رغيف خبز.. افهموها إن كان عندكم ذرة عقل.

ثم ماذا ستفعلون بعشرات الآلاف من النساء المسلحات (من طالبات و مدرسات و ربات بيوت) في جبل نفوسة وحده.
لقد باعت النساء حليهن ليشترين سلاحا، خوفا من انتهاك أعراضهن كما حدث في بعض المناطق، و هن يرفض تسليم السلاح حتى لأزواجهن أو آبائهن.. فهل نقنعهن بدخول الجيش الوطني ؟

من الواضح أن هناك تخطيط جهنمي.

لقد استغفل الطاغية الشعب الليبي و نزع سلاحه (حتى بنادق الصيد انتزعها) لينفرد هو بالقوة الغاشمة التي مكنته من الحكم 42 سنة عجفاء، بحكم القوي على الضعيف، و الآن ترتفع أصوات شبيهة بصوته (و كأن جينات الدجال أو خلاياه المتجرثمة تعود إلى الحياة) لتفعل مثل فعله.
إن حدوث بعض الحوادث نتيجة سوء استخدام السلاح ليست مبررا لسحبه من الناس، و إلا كان سحب السيارات أولى من ذلك بكثير. و من ينوي ارتكاب جريمة يمكنه فعل ذلك بسم أو بسكين أو قضيب من حديد.
بل أن وجود السلاح في البيوت هو أكبر ضمان للأمن في ليبيا. فهل يجرؤ لص مثلا على الاقتراب من حي يعلم أن به مئات البنادق؟
و ها نحن نعيش متحابين متضامنين متعاونين آمنين، منذ أشهر في ظل كل هذا السلاح و دون وجود شرطة و لا جيش و لا محاكم، بل بدون حتى حكومة.. و لم يحدث من المشاكل ما يستحق الذكر، إلا ما كان منها داخل بعض القلوب و العقول المريضة.
و الجيش الوطني ليس بحاجة إلى سلاح الثوار، فيمكن للدولة أن تسلحه بأفضل سلاح، و المال موجود و الحمد لله.
و لكن يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها.
إن الثورة الليبية هي ثورة حقيقية، انتزع فيها الشعب حريته بدمه، و إذا تنازل عن سلاحه فقد تنازل عن حريته و كرامته.
الشعب الليبي يجب ألا يلدغ من نفس الجحر مرتين.
الشعب الليبي يجب أن يبقى مسلحا، و إلى الأبد، كالشعب الأمريكي أو الشعب السويسري أو كثير من الشعوب الأخرى (بل أن في أمريكا ينتظم آلاف من أفراد الشعب في ميليشيا مسلحة ومنظمة مستعدة لحماية الديمقراطية).
و الحل هو..
أولا: تقنين حمل السلاح و ليس نزعه، و لا محاولة استبعاد الثوار من الساحة و الضحك على ذقونهم و كأنهم أطفال صغار.
يجب أن يباع السلاح في الدكاكين (محلات متخصصة) و بتراخيص رسمية و قوانين صارمة واضحة، كما هو الحال في دول العالم الحر.
 ثانيا: التزام الشفافية و العدالة و الديمقراطية، و إعطاء الشعب حقوقه المادية و المعنوية، و عدم معاملته كجمهور من السفلة و الرعاع و الجهلاء و السفهاء.
الديمقراطية و العدالة هما ضمان الأمن و الاستقرار، و ليس نزع السلاح. فلو كان نزع السلاح نافعا لنفع الطاغية المقبور.
الليبيون لن يطمئنوا حتى يعاد بناء الثقة بناء تاما.
و هو ما تفعلون عكسه الآن
يا مجلسنا الموقر
و يا حكومتنا المبجلة
و كأنكم لم تروا، أو تعقلوا، ما حدث لمن حاول السير ضد حتميات التاريخ.