الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

واقع التعليم في ليبيا – مأساة. فهل من مواساة؟

لقد عانى قطاع التعليم خلال السنوات الطويلة و المظلمة من حكم الدجال النافق من محاولات التدمير و الإفساد المتعمد الممنهج ، ما لم يعانيه غيره من القطاعات (باستثناء الثقافة) ، و ذلك ليقين الدجال بأن الإفساد الفكري هو أشد أنواع الإفساد ، و أصعبها علاجا ، و أعمقها أثرا ، و أشدها فتكا بالفرد و الأمة. و نستطيع القول آسفين ؛ أنه قد نجح إلى حد كبير جدا في تحقيق غاياته الخبيثة ، و ها نحن ذا نعاني حتى هذه اللحظة من نتائج ذلك الفساد و الإفساد.
و من خلال الدراسة و الاستقصاء و استبيان العديد من الطلاب و الأساتذة و العاملين بالقطاع ، وجد أن الدجال قد اتبع العديد و الكثير من الأساليب الخبيثة و الخطرة لإفساد التعليم و السعي إلى تدمير البنية التعليمية برمتها ، و من أهم تلك الأساليب ما يلي:
 1.     نشر الفساد المالي و الإداري في جميع مفاصل الدولة ، و في قطاع التعليم بوجه خاص ، و تشجيعه و عدم بذل أي جهد لمكافحته.
 2.     تكليف الفاسدين و عديمي الكفاءة و الوطنية و الأخلاق (خاصة من أعضاء اللجان الثورية الخبيثة و منتسبي الأجهزة الأمنية القمعية) بالمناصب القيادية في القطاع ، و تهميش الأكفاء و الوطنيين و الصالحين.
 3.     فصل التربية عن التعليم ، أو بالأحرى إلغاء الجانب التربوي من العملية التعليمية بغرض تخريج أجيال من المهنيين (الضعاف) و الفاقدين للجوانب الأخلاقية و العقائدية و الفكرية التي من شأنها توجيه أداؤهم المهني إلى ما فيه الخير.
 4.     تدمير المعلم و إحباطه نفسيا و معنويا عن طريق حرمانه من الكثير من المزايا ، بل و الحقوق المادية و المعنوية ، و جعله في الدرك الأسفل من الوظائف الحكومية ، علما بأن التعليم هو من أكثر المهن اعتمادا على الضمير ، و ذلك لتعذر متابعة أداء المعلم بشكل مستمر ، و عدم ظهور نتائج عطائه إلا بعد فترات زمنية طويلة.
 5.     إفساد المناهج عن طريق:
a.     وضع الكثير من الحشو عديم الفائدة (يشمل ذلك مواد برمتها) ما من شأنه إرهاق الطالب و إضاعة وقته و تشتيت أفكاره و إهدار طاقته التي كان من الواجب توجيهها إلى أمور و مواضيع ذات أهمية فعلية.
b.     امتلاء الكتب المدرسية بالكثير من الأخطاء ، ما سبب في فقدان الثقة بتلك الكتب ، علاوة على تعذر فهم الكثير من محتواها و التسبب في إرباك الطالب و تشويش معلوماته ، خاصة الأساسية منها ، و إفساد ذوقه في كثير من الأحيان.
c.      وضع مناهج غير مدروسة ؛ من حيث تناسبها مع عمر الطالب ، و احتياجات سوق العمل الآنية و المستقبلية ، و تنسيقها مع المناهج السابقة و اللاحقة لها.
 6.     تدمير معنويات الطالب بسبب عدم وضوح الرؤية و المستقبل ، و عدم توفر فرص عمل مقبولة بعد التخرج ، و عدم منح الطالب الاحترام الكافي ،خاصة بعد افتعال الكارثة المتمثلة في إدخال الخدمة العسكرية إلى المدارس فيما كان يسمى "تجييش المدارس".
 7.     تأنيث التعليم العام بكافة مراحله (الأساسي و الثانوي) ، ما ترتب عنه ضعف أداء الطلاب الذكور تحديدا ، نتيجة لعدم قدرة الكثير من السيدات على فرض الاحترام و السيطرة داخل الفصول الدراسة ، كما سبب ذلك قصورا شديد في فهم بعض المواد و المواضيع ، خاصة في مادة التربية الإسلامية و ما يتعلق بالطهارة و الكثير من الأحكام الأخرى ، بسبب عامل الخجل الذي يمنع المعلمة من شرح تلك المواضيع للشباب بشكل واضح.
 8.     نشر ظاهرة الغش و عدم محاولة مكافحتها ، ما أدى إلى انتشارها بشكل وبائي مرعب ، حتى أصبح الغش حقا شرعيا مكتسبا للطالب ، و ربما للكثير من أولياء الأمور أيضا، و ما لذلك من أثر مدمر على التعلم و الحرص على التحصيل ، بالإضافة إلى الأذى النفسي الشديد الذي يتعرض له الطالب المجد و النزيه بشكل خاص.
 9.     اتخاذ العديد من القرارات العشوائية و إحداث الكثير من التغييرات المتتالية و الخطيرة في النظام التعليمي ، دون دراسة وافية و مهنية للواقع ، و تحليل المعطيات  و تحديد الأهداف بدقة ، و وضع الوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف. و للأسف فقد رأينا استمرارا واضحا لذلك الأسلوب حتى بعد ثورة 17 فبراير المجيدة.
 10.                        ضعف الكفاءة العلمية و التربوية (القدرة على إيصال المعلومة) عند كثير من المدرسين ، و في جميع المستويات ، خاصة بعد أن أصبح الانتماء إلى حركة اللجان الثورية الخبيثة شرطا أساسيا للإيفاد للدراسة في الخارج و إحضار الشهادات و الدرجات العلمية.
 11.                         عدم تطوير الأساليب التعليمية و التربوية بما يواكب التقدم الهائل الذي حدث في هذا الميدان ، و الاقتصار على أسلوب التلقين العقيم و الضعيف الجدوى.
 12.                        إهمال المرافق التعليمية من مدارس و رياض أطفال و معاهد و جامعات، و عدم الاهتمام بها من حيث الصيانة و النظافة و التنسيق و التنظيم و توفير الإمكانيات و التجهيزات التعليمية و التدريبية ، حتى على الحد الأدنى ، ناهيك عن التجهيزات الحديثة و المتطورة.
 13.                        جعل التعليم يبدو مملا و ثقيلا على نفس الطالب بسبب عدم توفر أي إمكانيات ترفيهية ، أو ترويحية ، و إلغاء كافة الأنشطة الطلابية الثقافية و الرياضية و الاجتماعية و الفنية.
 14.                        إهمال الطلاب الموهوبين و المتفوقين و المجدين عدم تخصيص أي مزايا لهم من شأنها أن تشجعهم و غيرهم على بذل المزيد من الجهد و الاجتهاد.
 15.                        انتشار الوساطة و المحسوبية بين العاملين في القطاع من إداريين و مدرسين ، بما في ذلك المجاملة فيما يتعلق بالنجاح و الرسوب ، بل أن الشهادات و الدرجات العلمية أصبحت تباع و تشترى بالمال.
 16.                        جعل الشهادة و الدرجة العلمية مقياسا وحيدا للكفاءة ، و الضامن الأكبر للحصول على الوظيفة و المنصب ، و التقدير و الاحترام، دون أي اعتبار لطريقة الحصول على تلك الشهادة أو المقدار الفعلي للتحصيل العلمي و الفكري و الثقافي ، أو الخبرة العلمية و المهنية و التربوية ، أو الوطنية و الضمير و الأخلاق.
 17.                        ضعف الجهاز الإداري بالقطاع عموما و بوحداته الفرعية على جميع المستويات ، و اختلال الدورة المستندية ، و التمسك الأعمى بقوانين و لوائح عقيمة و بها الكثير من أوجه القصور و الخلل.
 18.                        ضعف الرقابة على مؤسسات التعليم الخاصة ، ما دفع بالأخيرة للاستهتار بالتحصيل العلمي حتى تحول معظم تلك المؤسسات إلى مجرد "دكاكين لبيع الشهادات".

و نظرا لكل ما ذكر أعلاه ، فإننا نرى أن الخلل كبير ، و المرض مستشرٍ ، و الخطر داهم ، و مهمة العلاج و الإنقاذ صعبة وشاقة.
عليه ،،
 فقد أصبح من الواجب و الضرورة الملحة ، وضع إستراتيجية شاملة لمعالجة الموقف ، و توظيف كافة الكفاءات الوطنية بشكل حرفي و مهني منظم لا ارتجال و لا استعجال فيه ، بل و الاستعانة بالكفاءات الأجنبية (الإقليمية و الدولية) ، و تخصيص القدر الكافي من الوقت و المال و الإمكانيات؛ لوضع مخطط صحيح  و خارطة طريق واضحة تمكننا من الخروج من هذه الأزمة الرهيبة ، و الانطلاق في سبيل بناء الوطن الحبيب ، و اللحاق بركب الحضارة الإنسانية.

مهندس / خالد أبوخبطة


الاثنين، 14 أكتوبر 2013

حول الفيدرالية مرة أخرى


كان يا ما كان
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية كانت ثلاث دول قد احتلت ليبيا و قسمتها إلى ثلاث ولايات لكل منها نظامها الإداري و قوانينها المختلفة (بريطانيا ، إيطاليا ، فرنسا).
و لكن المنتصر غالبا ما يملي إرادته ، و القوي أيضا ، لذلك فضلت بريطانيا تجميع تلك الولايات تحت راية واحدة هي السنوسية فجمعت الولايات الثلاث في نظام فيدرالي كانت الهيمنة فيه لبريطانيا (الأقوى) مع منح فرصة 13 عاما لكل من الدولتين الأخريين (فرنسا و إيطاليا) لنهب ما يمكن نهبه ريثما يتم توحيد الأنظمة في الولايات الثلاث لتصبح دولة بسيطة بدل الفيدرالية المركبة (سنة 1963).
و لكن لسوء حظ بريطانيا ظهر على الساحة وحش أكبر و أقوى هو أمريكا و حاضنتها الصهيونية و أمهما الماسونية.
طالبت أمريكا باسترداد الأموال التي أنفقتها لإحياء تلك الدول و انتشالها من الدمار الذي لحق بها أثناء الحربين العالميتين (فيما يسمى بمشروع مرشال).
و لما لم يكن لدى تلك الدول ما تدفعه ، تم الاتفاق على توقيع "عقد انتفاع" على المحمية التي كانت تحتلها و هي "ليبيا" الغنية بالخيرات. و كانت مدة العقد أربعون عاما و نيف.
و لما كانت أمريكا متقدمة كثيرا في علم السياسة عن أوربا (كما صرح السياسي الفرنسي المخضرم جان مينو) فقد أدركت أن الحكم بالاحتلال العسكري المباشر هو طريقة تقليدية مكلفة ، لذلك استعاضت عنه بطريقتها المبتكرة (التي تمت تجربتها في مصر قبل سنوات) و هي الحكم عن طريق العملاء.
و نظرا لكون الشعب كان متخلفا و لم ينل فرصة كافية للتعلم و الثقافة ، فقد كان تكليف عميلا واحدا ، أو قل جاسوسا تم زرعه و تربيته بعناية فائقة ، كان كافيا ، و زيادة.
و عندما انتهت مدة عقد الانتفاع ، عادت الدول التي كانت تملك المحمية تريد استرداد محميتها ، و إعادة اقتسامها كما كانت من قبل.
و لا سبيل إلى ذلك إلا برد العجلة إلى الوراء.
الفيدرالية أولا ، ثم التقسيم.
و عن طريق العملاء أيضا هذه المرة ، لأن الأوربيون فهموا اللعبة هم أيضا.

و الحرية ستكون في المرة القادمة (على رأي جون بلجر) و ليس هذه المرة.
و إذا كنتم قد ضحيتم بخمسة أو ستة آلاف لتنالوا الحرية ، فقد ضحى الأوربيون بخمسين مليونا ليتحكموا في خيراتكم.

و دمتم بألف خير .


مهندس / خالد أبوخبطة