تمهيد:
عندما بدأنا اعتصامات و مظاهرات تصحيح مسار
الثورة بميدان الجزائر و ميدان الشجرة كنا ننادي بعدم تكليف الأزلام بالمهام
السيادية في الدولة. عند ذاك برزت الحاجة الملحة لوضع تعريف لمصطلح الأزلام ، وقد
حاولنا فعل ذلك فاقترحنا 10 نقاط أو صفات يعتبر من تتوفر فيه من الأزلام، و قد
استجاب المجلس الانتقالي في ذلك الوقت ، بل و أضاف 3 أو 4 نقاط لما اقترحناه ، ثم
أصدر قانون النزاهة و الوطنية ، و أسس هيئة خاصة بتطبيق معايير النزاهة و الوطنية
، إلا أن ذلك القانون ولد ممسوخا و معيبا بسبب مادتين حشرتا فيه حشرا، إحداهما
تشير إلى قابلية أحكام لجنة النزاهة للطعن فيها أمام القضاء (وكأن نزاهة القضاء من
المسلمات ، رغم عدم بذل أي جهد لتطهيره) و الثاني هي استثناء ما يسمى بالمنشقين
الذين انتهزوا الفرصة للتغلغل في مفاصل الدولة و مراكزها الحيوية بحجة الانشقاق ،
ثم إذا بهم يحاولون استنساخ نظام الطاغية الذي ولدوا و ترعرعوا في كنفه ، و رضعوا
الفساد و الخبث السياسي و الإداري و الاجتماعي منذ نعومة أظافرهم ، و ها هم يجهزون
أنفسهم لاستلام مقاليد الحكم في ليبيا الجديدة بنفس العقلية القديمة، أو على أحسن
تقدير بعقلية ليبيا الغد التي غد منها الشعب الليبي.
من هنا برزت الحاجة لتسليط الضوء على ما
يسمى بالمنشقين، علما بأن لفظة "منشق" في حد ذاتها تعني أن الشخص كان
جزء أساسي من النظام ، و إن كان قد توقف عن مساندة النظام (منظومة الفساد التي
كونها الطاغية النافق) ، و بالطبع ليس كل من عمل موظفا بالدولة يعتبر جزء من تلك
المنظومة.
يستطيع كل ليبي أن يفرق بشكل قاطع بين
موظفي الدولة و بين "مؤيدي النظام" ، و إن لم يستطع التعبير بشكل واضح
عن الفروق بين الفريقين ، و هو ما سنحاول أن نفعله الآن:
الأزلام:
في مرحلة ما من مراحل حكم الدجال لليبيا لم
تكن هناك للكثيرين للحياة إلا إذا كان المواطن موظفا في الدولة ، و في جميع
الأحوال كان يجب للحياة أن تستمر ، و إلا لما كنا وصلنا إلى مرحلة الثورة ، و إذا
كانت لا بد للبلاد الموظف الإداري و الشرطي و المدرس و الطبيب، بل حتى إلى الوزير
و السفير و مدير الشركة و المصرف ، فكيف نستطيع التفريق بين الفريقين؟
هنا نستطيع أن نقول بأن العيب ليس في
الوظيفة أو المنصب بحد ذاته ، بل في أحد أمرين هما:
1. طريقة الوصول إلى
المنصب ، حيث نفترض أن
الوصول إلى منصب ما؛ إما أن يكون عن طريق الخبرة و الكفاءة (كحالة مثالية) أو بالأقدمية
(كحالة تقليدية) أو عن طريق الوساطة و المحسوبية المعتادة ، و هذه كلها تعتبر
مقبولة بشكل أو بآخر و لا يصنف صاحبها على
أنه من "الأزلام". و إما أن تكون بطرق أخرى أهمها:
أ.
الانتساب إلى حركة اللجان الثورية الدموية و النشاط فيها كل حسب قدرته
و مهارته على إثبات الولاء للطاغية و نظامه.
ب. الانتساب إلى جهاز
الأمن الداخلي أو الخارجي أو المخابرات بأنواعها و النشاط فيها بتتبع معارضي
النظام (أو من يشتبه به) و القبض عليهم و التنكيل بهم ، بالإضافة إلى إرهاب بقية
الشعب ونزع الثقة بين أفراده و فئاته، و زرع الشك و الريبة و الخوف بينهم.
ج. بيع الشرف و العرض و
الدين و الذمة المالية ، و النفاق و التزلف للطاغية أو أقاربه أو أزلامه الكبار.
د. الانتساب إلى
التشكيلات و الهيئات و المنظمات المختلفة التي أسسها الطاغية بغرض دعم نظامه
الفاسد أو ترهاته المريضة، بما في ذلك اللجان الشعبية و أمانات المؤتمرات و الرفاق
و أبناؤهم ، و غير ذلك.
ولسوء
الحظ فإن الوصول إلى أي منصب قيادي (من مدير مدرسة إلى ما كان يسمى بأمين لجنة
شعبية عامة) كان مستحيلا تقريبا، إلا من خلال إحدى الطرق المذكورة في النقاط من أ
إلى د ، أو أكثر ، و هؤلاء هم من يسمون بالأزلام. بالإضافة إلى من اشتهر بتمجيده
للطاغية و الدعاية له و لنظامه الفاسد أو ترهاته الشيطانية.
2. طريقة استغلال المنصب و التصرف فيه ، إما بالإثراء غير المشروع عن طريق نهب و اختلاس أموال الدولة ، أو
بهضم حقوق الناس و الاستيلاء على ممتلكاتهم ، أو بتعطيل مصالحهم بشكل متعمد ، أو
بالتكبر و التعالي عليهم.
المنشقين:
كل من يصنف على انه من الأزلام ثم انضم إلى
الثورة أو خدمها ولو بشكل غير مباشر أو ترك منصبه أو خدمته مع النظام ، و لو لم
ينضم إلى الثوار اعتبر "منشقا" ، ونستطيع - إذا بسطنا الأمر - أن نصنف المنشقين إلى
ثلاثة أصناف هم:
1. الصنف الأول : من
انشق نظرا لصحوة ضمير، أو اكتشاف حقائق كانت غائبة عنه، أو تضامنا مع الشعب و رغبة
في التخفيف من معاناته، أو بسبب مشكلة شخصية كبيرة بينه و بين الطاغية النافق أو
أحد أزلامه الآخرين .. و معظم هؤلاء انشقوا قبل ثورة 17 فبراير المجيدة ، بل قبل
بداية ثورات الربيع العربي ، و هؤلاء يغلب الظن بصدق انشقاقهم ، و إن كان ذلك لا
يعفيهم من المحاسبة و العقاب إن كانوا قد ارتكبوا ما يسيئ إلى الشعب أو بعض
أفراده، و هذا الصنف لا يشكل سوى نسبة قليلة من المنشقين.
2. الصنف الثاني: و
يعتبر أكثر خطورة من الأول، و هؤلاء انشقوا لشعورهم بأن مركب الدجال كان يغرق ،
إما نظرا لذكائهم و حسن تحليلهم للأمور، أو لمعلومات تسربت إليهم بطريقة مباشرة أو
غير مباشرة تفيد بأن نجم الدجال آفل لا محالة و أن الثورة دخلت طريق
"اللاعودة" ، فانشقوا لضمان مكان لهم في الدولة الجديدة ، أو بغرض
إعفائهم من العقاب على ما اقترفوه ، أو التخفيف من العقوبة على أقل تقدير. و معظم
هؤلاء انشقوا بعد بداية الثورة ، و غالبا بعد صدور قرار الأمم المتحدة باستخدام
القوة لحماية المدنيين.
3. الصنف الثالث: و هو
الأشد خطورة بين الجميع ، و هؤلاء معظمهم من السياسيين و كبار رجالات النظام
المنهار ، وقد تم احتوائهم و تجنيدهم من طرف دول أجنبية (نعتقد أن معظمها غربية) ،
و ذلك فيما يعرف عند أجهزة المخابرات بالمخطط "ب" "Plan
B" و ذلك لاستعمال هؤلاء في حال فشلت محاولات الاحتفاظ بالعميل
السابق (الدجال النافق في حالة ليبيا) و قد يكون الاحتواء قد حدث إبان الثورة أو
قبلها بفترة قصيرة أو طويلة. و يتميز هؤلاء بأنهم الأكثر ظهورا في القنوات
الفضائية و الأجهزة الإعلامية عموما ، حيث أن الدول التي ترعاهم تعرف يقينا أن
الديمقراطية (بالمفهوم الغربي) ما هي إلا لعبة إعلام ، فالأبرز إعلاميا عادة ما
يكون الأقرب إلى كرسي السلطة و بالتالي فهم لا يوفرون جهدا أو مالا أو خبرة لدعم
هؤلاء، آملين أن يتمكنوا عن طريقهم من السيطرة على البلاد و مقدراتها ، و الدفع
بها في الاتجاه الذي يرضي تلك الدول ، و الذي غالبا ما يكون ضد مصالح بلد (العميل)
أو مخالف لتوجهات الشعب و عقائده و أعرافه الاجتماعية. و بالإضافة إلى الأموال
التي تستخدمها الدول (أو المنظمات) التي جندت العملاء لدعمهم ، فغالبا ما يتوفر
المال لدى هؤلاء نتيجة وضعهم المتميز الذي وفرته لهم مناصبهم في النظام المنهار .
و يذهب معظم المال إلى الإعلام الذي يعمل على تلميع صورتهم و إظهارهم بمظهر
الأبطال و المنقذين ، و تشويه صورة خصومهم ، و إيهام بأنه معرض للكثير من المشاكل
و الأخطار ما لم يلجأ إليهم. أما الجزء الباقي فيذهب إلى شراء الذمم و المواقف
السياسية، و استئجار الحرس و تجنيد الأتباع.
المنشقون
و العزل السياسي:
من
الطبيعي أن يخاف المنشقون من إصدار قانون العزل السياسي الذي سيبعدهم عن مراكز
السلطة و يسمح لغيرهم بتولي تلك المراكز ، و من المنطقي جدا أن يقاوموا إصداره و
يسعوا إلى منع ذلك ، فإن لم يتمكنوا ، فعلى أقل تقدير سيسعون إلى وضع بعض النقاط و
المواد التي تفرغ القانون من محتواه أو تحد من فعاليته ، و ذلك لأسباب معروفة
أهمها الخوف من:
1. تدمير المخططات التي
رسمتها الدول الأجنبية لتولية أشخاص تعرفهم و تضمن ولائهم ، و ضياع ما أنفقته من
أموال في سبيل ذلك.
2. تولي أشخاص وطنيون
نزهاء و أكفاء مقاليد الحكم في البلاد ، ما سيؤدي إلى تقدمه و تحويله من تابع
اقتصادي و سوق استهلاكي ، إلى منافس تجاري قوي و خطر ، علاوة على احتمال تكون نظام
مخالف لتوجهات الغرب من النواحي العقائدية و الأيديولوجية.
3. كشف المؤامرات و
السرقات و المخالفات التي ارتكبها أولائك المنشقون أثناء حكم الطاغية ، و تعريضهم
للمحاكمة و العقوبة عليها ، و التي غالبا ما تكون بالغة الشدة.
4. فوات العديد من الفرص
و المكاسب الشخصية، و التي يمكن أن يكتسبها أولائك المنشقون في حال بقائهم في السلطة.
عليه ، يجب ألا ننظر إلى الأمر بسطحية ، و
ألا نستهين بقوة هؤلاء ، فهم يملكون العديد
من الأسلحة الفتاكة التي لا قبل للثوار بها ، و أهمها الإعلام و المال و
دعم الغرب ، و هذه لا يفيد معها "الكلاشنكوف" و لا "الميم طا".
و إن كانت ترعبهم أحيانا.