الاثنين، 17 فبراير 2014

ليبيا آمنة

ليبيا آمنة
الأمن حالة و الأمان شعور داخلي ، و رغم التباس المعنيين عند البعض نظرا لتقاطعهما (يتوفر عادة الشعور بالأمان عند تحقق حالة الأمن) و لكن ليس دائما ، فمثلا : الثوار كانوا يشعرون بالأمان في الجبهات رغم أصوات الإنفحارات و أزيز الرصاص فوق رؤوسهم ، و كم رأيناهم و هم يأكلون و يشربون و يتغنون مبتهجين على الجبهات الأمامية (رغم أن الأمن شبه منعدم) ، و لكن شعورهم بالأمان سوف يتبدد فورا إذا أبلغوا بأن بينهم خائن قد يبيعهم للعدو في أي لحظة، حتى و إن كان البلاغ كاذبا.
و قد خلق الله المرض لنعرف قيمة الصحة و خلق الجوع لنعرف قيمة الشبع و خلق التعب لنعرف قيمة الراحة ، و هكذا.
و ذلك لأن الأمور في هذا الكون نسبية و ليست مطلقة ، و لا يجوز أن نحكم على أمر ما حتى نقارنه بغيره.
كما أن المقارنة لها أصول ، فلا يجوز أن نقارن قوة رجل بالغ بقوة طفل صغير ، و حكمة شيخ بحمكة شاب مراهق ، فإن قارنا يجب أن نضع تلك الفوارق في الاعتبار ، و قس على ذلك.
لذلك حتى نعرف إن كانت ليبيا آمنة أم لا فسنقارنها بغيرها:
و حسب موقع الشرطة الاتحادية الأمريكية  متوسط الجرائم حسب المناطق لكل 100,000 فرد من السكان.
متوسط جرائم العنف في أمريكا = 350 جريمة تقريبا لكل 100,000 نسمة
متوسط جرائم الاعتداء على الممتلكات = 2,800 جريمة تقريبا لكل 100,000 نسمة
فلو كان الوضع الأمني في ليبيا مثل أمريكا ، و بحسبة بسيطة، لحدثت 22,400 جريمة عنف في السنة (قتل+اغتصاب) فهل حدثت؟
و لو كان الوضع الأمني في ليبيا مثل أمريكا ، لحدثت 179,200 جريمة ممتلكات في السنة (سرقة+نصب) فهل حدثت؟
أما إذا قارنا ببعض الدول المتخلفة نسبيا مثل " سيراليون" فنجد أن معدل جرائم القتل فيها هو 50 جريمة لكل 100,000 نسمة ، علما بأن عدد سكان سيراليون قريب جدا من سكان ليبيا (5,900,000 نسمة) ، فلو كان معدل الجريمة في ليبيا مثل سيراليون لكان عدد جرائم القتل = 3200 جريمة قتل (وليس شروع في القتل) فهل بلغنا هذا العدد.
أما عن جرائم الاعتداء الجنسي فقد حدثت 400,1000 جريمة في بريطانيا (الدولة العريقة المحافظة) سنة 2012 م. منها 400 حالة اغتصاب للأطفال أسبوعيا ، أي بواقع 666 جريمة لكل 100,000 نسمة ، فلو كانت ليبيا مثل بريطانيا لحدثت فيها 42,624 جريمة اعتداء جنسي في السنة. فهل حدثت؟
هذه مقارنة (مكانية) سريعة ، و لو استرسلنا لرأيتم عجبا.
و الآن إلى المقارنة الزمنية:
يزعم الكثيرون أن الأمان كان متوفرا في عهد الدجال النافق أكثر من توفره اليوم ، فدعونا نذكرهم.
إن ما كان متوفرا في ذلك الوقت هو الأمن و ليس الأمان ، و أمن النظام تحديدا ، و ليس أمن المجتمع، و من أهم ظواهر انعدام الأمان ما يلي:
·         زرع الشك و الريبة بين أبناء الشعب الواحد ، و أبناء المدينة الواحدة ، و أبناء القبيلة الواحدة ، و أبناء الحي الواحد ، بل حتى بين أبناء الأسرة الواحدة ، و ذلك عن طريق زرع المخبرين و إيهام الشعب بأنهم في كل مكان.
·         إنزال أشد العقوبات بمن يعارضه و لو بكلمة عابرة أو بفكرة ، بما في ذلك القتل و التعذيب الشديد المهين ، و الاعتقال العشوائي ، و السجن لفترات طويلة ، لمجرد الاشتباه أو حتى بدون اشتباه.
·         افتعال ما يسمى بالتجنيد الإلزامي بمختلف أنواعه ، و الذي لم يكن سوى طريقة خبيثة لإذلال الليبيين و تدمير معنوياتهم و محو أي شعور بالوطنية قد يتكون لديهم. و ملاحقة كل من يتهرب من التجنيد بالمداهمات و البوابات و الحواجز التي كانت تنصب في كل مكان ، ما كان يسبب الرعب و انعدام الأمان لدى شريحة كبيرة من الشعب.
·         افتعال العديد من الحروب عديمة الجدوى و زج الليبيين فيها عنوة ، بما في ذلك حرب تشاد و حرب أوغندا و حرب مصر و حرب تونس و غيرها و قد راح ضحية تلك الحروب الخاسرة عشرات الآلاف من الليبيين.
·         قتل ألاف الأبرياء في السجون السياسية منهم 1263 سجين قتلوا بدم بارد في سجن أبوسليم خلال ساعتين فقط.
·         إهمال المستشفيات و القطاع الصحي عموما ، بالإضافة إلى حقن المرضى عمدا بالفيروسات الممرضة ، بما في ذلك حقن مئات الأطفال بفيروس الإيدز القاتل في قضية مستشفى بنغازي الشهيرة ، و التي كادت أن تسبب كارثة اجتماعية رهيبة لولا انكشاف الأمر (كان المقصود نزع الثقة داخل العائلات و حرمان الناس من الأمان الأسري ، و ليس المقصود الأطفال بحد ذاتهم) ، و هذا كله سبب فقدان الأمان عند كل من تضطره الظروف إلى الالتجاء إلى أي مستشفى.
·         تغيير الأفكار و المبادئ و القوانين بشكل مستمر ، و افتعال الكثير من القوانين الظالمة ، مثل تلك القوانين التي تحرم التجارة ، و القوانين التي تبيح استيلاء الدولة على أموال و ممتلكات المواطنين ، و التي تبيح استيلاء المواطنين على ممتلكات بعضهم البعض ن و القوانين التي تسبب تعقيد و تعذر ممارسة الأنشطة المختلفة.
·         زرع بعض الأفكار التي يقصد منها إخافة الشعب مثل كون ليبيا تفتقر إلى الموارد المائية ، و أن الأعضاء يحيطون بها من كل جانب و أن ثروات ليبيا محدودة و غير ذلك.
·         افتعال العديد من الحوادث الغريبة ، سواء كان ذلك بهدف تصفية الغير مرغوب فيهم ، أو لزرع الرعب و التسبب بفقدان الآمان ،و من أمثلة ذلك (الغارة الأمريكية المفتعلة ، طائرة "البان آم" ، طائرة "اليوتا" ، طائرة الخطوط الليبية) و غير ذلك كثير.
هذا غيض من فيض و لدينا مزيد.
و حتى تكون المقارنة عادلة يجب أن ننبه إلى الآتي:
·         إن المقارنة تمت مع دول عريقة منها دولتان عظميان ،و مع أنظمة قائمة و إمكانيات كبيرة.
·         أن ليبيا هي حتى الآن مجرد بلد و ليست دولة ، نظرا لكون تأسيس الدولة يبدأ باعتماد الدستور ، و هذا ما لم يحدث حتى الآن.
·         تعرضت ليبيا لانقطاع حضاري شبه كامل لمدة 42 سنة تعرض خلالها الشعب لكل صنوف التجهيل و التدمير الفكري و المعنوي و الأخلاقي.
·         اندلاع ثورة دموية عنيفة أدت إلى نسف ما بقي من كيانات و مؤسسات الدولة ، و التي كانت مهلهلة أصلا.
·         انتشار كميات ضخمة من الأسلحة و الذخائر بشتى أنواعها (بما فيها الأسلحة الثقيلة و المتوسطة) ، حيث يبلغ عدد قطع السلاح أربعة أضعاف عدد السكان الذين يملكونها ، و هي خارج سيطرة أي سلطة منظمة ، و بدون أي تراخيص أو قوانين تنظم استعمالها.
صحيح أن بعض الحوادث تحدث بين الحين و الآخر ، و قد يكون بعض قارئي هذه السطور قد تعرض لها، و لكننا مازلنا نسير باطمئنان كبير في الطرقات ، و نسهر على الشواطئ حتى ساعات متأخرة من الليل ، و النساء يتجولن في المتاجر و الأسواق. لدينا ماء و كهرباء و وقود. متاجرنا تزخر بأنواع السلع و بأسعار في المتناول. أبناؤنا يدرسون في المدارس و الجامعات. مستشفياتنا و مستوصفاتنا و عياداتنا تعمل ، و نتقاضى مرتباتنا و إن تأخرت قليلا.
و هذا كله من نعم الله و آلائه العظمى، و لا يحدث في أي بلد آخر يمر بمثل أحوالنا ، و الحمد لله تعالى و الشكر.
أبعد كل هذا نقول: ليبيا غير آمنة.
أبعد كل هذا نقول: أمورنا ليست على ما يرام.
لا و الله ، ليبيا آمنة ، و أمورنا جيدة ، و نسأل الله أن تسير من حسن إلى أحسن. و هذا ما سوف يحدث إن شاء الله.
(لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد) إبراهيم 7.
المراجع:
·         موقع الشرطة الاتحادية الأمريكية على الشبكة.
·         الموسوعة الإلكترونية على الشبكة "ويكيبيديا"
·         صحيفة " الإندبندنت" البريطانية.
·         صحيفة "التايمز" البريطانية.

ملاحظة:
قمت بنشر هذه المقالة "بالفيس بوك" بتاريخ 29/8/2013

مهندس / خالد أبوخبطة
تجمع ليبيا الرخاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق