إن
الديمقراطية الحديثة بمعناها الشامل و فلسفتها الغربية لا تصح في مجتمع يدين
بالإسلام ، لأنها تعني ببساطة "الحاكمية للشعب" بمعنى أن للشعب الحق أن
يسن ما يشاء من التشريعات و القوانين و ينتخب أو يعين من ينفذها له ، حتى لو تعارض
ذلك مع النصوص و الشرائع الدينية تعارضا واضحا و صريحا، بينما – في المجتمعات
الإسلامية و الدول الإسلامية - يجب أن تكون "الحاكمية لله" بمعنى تطبيق شرع
الله ، أو على الأقل التشريعات (الدنيوية) التي لا تتعارض مع شرع الله و أصول الدين
و العقيدة ، و ما الحاكم - في الإسلام – إلا حارس لتلك الشريعة، و هذا ما لا
يستطيع إنكاره أي مسلم لأنه ورد في آيات صريحة متعددة:
ومن لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الفاسقون.
ومن لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الظالمون.
ومن لم يحكم لما
أنزل الله فأولئك هم الكافرون.
و رغم ذلك فإن
الديمقراطية تبقى هي الحل الأمثل لمسألة الحكم ، و يبقى الحكم و إدارة الدولة و
تنظيم شؤونها مسألة حيوية لا بديل لها منذ أن تكونت المجتمعات البشرية و حتى هذه
اللحظة.
فما المخرج من
هذا الوضع؟ أو قل: من هذا المأزق.
في الحقيقة ،
إذا تمعنا جيدا لوجدنا أن الديمقراطية تتكون من جزأين أساسيين هما : الفلسفة ، و
آليات التطبيق.
و إذا كانت
الفكرة بها خلل ما ، فبإمكاننا استخدام الآليات ، و بذلك نكون مثل من يستعير سيارة
جاره ليذهب بها إلى المسجد ، رغم أن ذلك الجار لا يستعمل تلك السيارة إلا للذهاب
إلى المواخير و أماكن الرذيلة.
و إذا فحصنا
تلك الآليات بدورها ، لوجدناها تنقسم إلى قسمين:
الديمقراطية
الرسمية بما تشمله من آليات انتخاب السلطات ، و الفصل بينها ، و وضع الدساتير التي
تحدد صلاحياتها و تضمن حقوق الشعب و غير ذلك من الإجراءات التي أثبتت فعاليتها في
الكثير من الدول ، و بدرجات متفاوتة.
و الديمقراطية
الشعبية ، و هي طريقة تنظيم الشعب لنفسه ليكون مراقبا للسلطة و ليتمكن من الضغط
عليها لتحقق أهدافه بشكل أفضل ، و يتمثل ذلك في الجمعيات و التجمعات و النقابات و
الاتحادات و الروابط و غيرها من التشكيلات التي تهدف إلى تكوين قوى ضاغطة تحد من
تغول السلطات الرسمية، و توجيهها نحو تحقيق مآرب الشعب و طموحاته و تطلعاته.
و هنا يجب أن
نذكر ، و لا نستطيع أن ننكر، أن السياسة لعبة قوة ، فالأقوى هو من يستطيع فرض رؤاه
و صياغة القوانين و التشريعات التي تساعده على تحقيق تلك الرؤى ،و المصالح ،، في
كثير من الأحيان. و لعل السلاح هو أقل أنواع القوة استخداما في الصراعات السياسية
رغم أن بقاؤه في خلفية الصورة يشكل أمرا بالغ الأهمية ، أما القوى الأخر الأكثر
شيوعا فهي قوة المال و الإعلام أولا، ثم قوة الفكر و القدرة على الإقناع و تكوين
الجماعات الضاغطة الكبرى ، و قدرة تلك الجماعات على الحراك الإيجابي المنظم ، هذه
كلها عناصر أساسية فيما يسمى باللعبة الديمقراطية ، و لعل الإعلام الشعبي ، أو
إعلام الفقراء الذي نزل إلى الساحة حديثا ، و المتمثل في شبكة المعلومات و ما
تتيحه من مواقع مجانية للنشر و التواصل قد أصبح عنصرا أساسيا من عناصر القوة ، و
الحكومات ليست غافلة عن ذلك بطبيعة الحال.
و رغم أن
الفصل بين الآليات و الفلسفة قد يبدو حلا معقولا في الحالة الإسلامية ، إلا أن
الأمر ما زالت تشوبه الكثير من العوائق ، فإعطاء نفس قوة الصوت للناخب ذو الثمانية
عشر عاما الذي لم يتجاوز تعليمه الشهادة الإعدادية ، و للأستاذ الجامعي المتخصص في
العلوم السياسية ، و للحزبي أو السياسي أو الفقيه المخضرم ، يبدو و كأنه يشكل خللا
كبيرا (بمعنى أن معظم
القرارات و الاختيارات ستكون أقرب إلى الخطأ منها إلى الصواب، ما قد يسبب انهيار
الدولة ، أو عرقلة تقدمها) ، خاصة و أن الشباب الصغار و النساء الصغيرات عادة ما
يشكلون غالبية في المجتمع ، يسهل لمن يملك أسلوب الإقناع الجيد و الوسيلة
الإعلامية التي توصل صوته إلى تلك الشريحة ، أن يستمليهم إلى جانبه و الذي قد لا
يكون لصالح البلد مطلقا، و يبدو أن ذلك هو تماما ما حدث أثناء أول تجربة
للديمقراطية في ليبيا بعد دهور من الديكتاتورية ، حيث حدث ما يمكن أن نسميه "تدليسا
أو تغريرا"، رغم خلو الانتخابات تقريبا مما يسمى بالتزوير.
و إلى لقاء
قريب.
مهندس / خالد
أبوخبطة
تجمع ليبيا
الرخاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق