دأب
كثير من المشككين ، و أجزم أن معظمهم من الأعداء (الظاهرين و المنافقين) على ترديد
سؤال: ماذا حققت ثورة 17 فبراير؟
و
كأن لسان حالهم يقول "يا حسرة على إنجازات ثورة الفاتح العظيم"
و
لفظة "الفاتح العظيم" هنا ترجع على سيدهم الدجال طبعا.
ثم
تنتفخ أوداجهم و كأنهم قد حققوا إنجازا عظيما (يضاف إلى إنجازات الفاتح) كونهم
أفحموا أحد الثوار أو مؤيدي الثورة ، أو على الأقل ليثبتوا لأنفسهم أنهم
"كانوا دائما على حق".
لقد
شرحنا و كررنا (دون جدوى) محاولة إفهامهم ؛ من يكون فاتحهم العظيم ، و ماذا فعل ،
و ما حقيقة إنجازاته التي يتباهون بها ، و لكن القوم كان (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا
يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ
أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا).
لقد
سجنت "الأمة الليبية" - إن جاز التعبير - بكاملها في زنزانة مظلمة دهرا
من الزمن. تأكل و تشرب و تذل و تقهر، و تعيث الجراثيم الخبيثة و الأمراض الفتاكة
في جسدها فسادا ، دون بصيص من أمل.
لقد
حرمت الأمة الليبية أي مصدر للضوء ينير لها الطريق ، و منعت من تكوين أي نجم
تسترشد به ، و مسخت - نفسا و عقلا - بطريقة جعلتها تحارب كل رمز ، و كل مثل أعلى
قد يظهر من بينها يدلها و يهديها إلى سبيل الرشاد.
لقد
حرمت الأمة تاريخها ، فصارت "كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار"
، و جُهّلت فجهلت. جهلت تاريخها ، و تراثها ، و آثارها ، و أخلاقها ، و آدابها ، و
تعاليم ربها و نبيها. إضافة إلى جهلها بما يفعله العالم من حولها ، و ما وصلت إليه
الأمم الأخرى من دونها ، و كيف؟ ،،، فصارت "كالأنعام
بل هم أضل سبيلا".
ثم
، و بفضل الله و توفيقه و قدرته العلية ، كانت ثورة فبراير المجيدة.
،،،
خرجت الأمة من الظلمات إلى النور.
لكنها
خرجت عمياء ، بيضاء العينين ، تتلمس طريقها و تصطدم بكل جدار و تتعثر بكل عقبة ،
فيمتلئ جسدها المريض أصلا بالكدمات. و كم من أبنائها - الذين لا عزم لهم - صار يحن
إلى الزنزانة العفنة لأنه لم يحتمل تلك الصدمات و الكدمات ، غير واع بأنه يتعافى و
ما الألم الذي يحسه إلا دلالة على أن جسم الأمة لا يزال حيا قابلا للشفاء.
إلا
أن الخروج من الزنزانة المظلمة إلى نور الشمس و الهواء الطلق هو أول و أكبر إنجاز
من إنجازات ثورة التكبير.
ثم
حاولنا - بسبب قلة خبرتنا و استعجالنا النتائج - البناء على الأنقاض. فحدث أن
انهار البناء علينا مرات و مرات، فزادت كدماتنا ، و ألمنا.
إلا
أن مجرد قدرتنا على الهدم و محاولة البناء كانت إنجازا عظيما آخر من إنجازات ثورة
التكبير.
و
لم ندر أن تلك الأنقاض التي تكاسلنا عن إزالتها صارت مقرا للحشرات و القوارض
الضارة والأفاعي السامة التي لم تتورع عن لدغنا في كل فرصة ، فحاولنا مكافحتها.
و
ذلك إنجاز آخر من إنجازات ثورة التكبير ، لأننا كنا في زنزانتنا مكبلين تنال منا
كل دواب الأرض ، دون قدرة على رد أذاها ، كبيرا كان أو صغيرا.
الأمة
تتعافى.
جمعيات
، تجمعات ، منظمات ، أحزاب ... الشعب يعيد تنظيم نفسه ، أمور كانت في السابق ضرب
من الخيال.
عشرات
الصحف ، و مثلها من المحطات الفضائية ، بعد أن كنا نقتات على زبالة محطة واحدة ،
تنفث في عقولنا سموم الشيطان الأوحد.
مواقع
على شبكة المعلومات ، و صفحات "الفيس بوك" صور ليبيا القديمة ، صور طرابلس
القديمة ، لهجتنا القديمة ... الأمة تستعيد تراثها و تاريخها قبل أن يتلاشى.
و
هذا إنجاز عظيم من إنجازات ثورة التكبير.
مجلس
انتقالي ، مؤتمر وطني عام ، برلمان ، 5 حكومات متتالية ، لجنة دستور ، تكتلات
حزبية ، تكتلات عسكرية ، تحالفات ، مفاوضات ، اختلافات ، اتفاقات ... الأمة تخوض
تجربتها السياسية ، تتعلم و تتدرب ، تخطئ و تصيب. و من لا يحاول و يخطئ فلن يصيب.
و قد كنا محرومين حتى من مجرد المحاولة. و هذا إنجاز عظيم آخر من إنجازات ثورة
التكبير.
إن
إنجازات ثورة التكبير تتم ببناء الإنسان ، و ليس ببناء الجدران.
فإذا
نشأ إنسان فبراير الحر ، فهنالك سيكون الإبداع و سيكون الإنجاز المادي على الأرض
مجرد تحصيل حاصل.
إن
بناء بيت يحتاج إلى عدة شهور.
فما
بالكم ببناء دولة ، و إحياء أمة!
لن
يتم الأمر في بضع سنين ، و لو تم لجزمنا يقينا بأن ثورتنا مزيفة.
الثورة
تحتاج إلى سنين عددا لتكتمل و تحقق أهدافها.
أما
الدولة فبناؤها يحتاج إلى ردح طويل من الزمن.
و
إلى كثير من المعاناة ، و الدموع و الدماء و ،،، الصبر.
إلا
أن الأمر يستحق ذلك.
و
إخراج أمة إلى الوجود يستحق ذلك.
و
ليبيا تستحق ذلك.
صحابة
النبي صلى الله عليه و سلم جاهدوا و صبروا لمدة 23 عاما و زيادة ، و لم ينالوا من
الدنيا شيء سوى بناء الفكر و تجديد الإنسان.
و
لم يقولوا "ماذا أنجز الإسلام"
و
بشر الصابرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق