الجمعة، 19 يونيو 2015

ثورة فبراير ، هل لها من إنجازات:

دأب كثير من المشككين ، و أجزم أن معظمهم من الأعداء (الظاهرين و المنافقين) على ترديد سؤال: ماذا حققت ثورة 17 فبراير؟
و كأن لسان حالهم يقول "يا حسرة على إنجازات ثورة الفاتح العظيم"
و لفظة "الفاتح العظيم" هنا ترجع على سيدهم الدجال طبعا.
ثم تنتفخ أوداجهم و كأنهم قد حققوا إنجازا عظيما (يضاف إلى إنجازات الفاتح) كونهم أفحموا أحد الثوار أو مؤيدي الثورة ، أو على الأقل ليثبتوا لأنفسهم أنهم "كانوا دائما على حق".

لقد شرحنا و كررنا (دون جدوى) محاولة إفهامهم ؛ من يكون فاتحهم العظيم ، و ماذا فعل ، و ما حقيقة إنجازاته التي يتباهون بها ، و لكن القوم كان (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا).
لقد سجنت "الأمة الليبية" - إن جاز التعبير - بكاملها في زنزانة مظلمة دهرا من الزمن. تأكل و تشرب و تذل و تقهر، و تعيث الجراثيم الخبيثة و الأمراض الفتاكة في جسدها فسادا ، دون بصيص من أمل.
لقد حرمت الأمة الليبية أي مصدر للضوء ينير لها الطريق ، و منعت من تكوين أي نجم تسترشد به ، و مسخت - نفسا و عقلا - بطريقة جعلتها تحارب كل رمز ، و كل مثل أعلى قد يظهر من بينها يدلها و يهديها إلى سبيل الرشاد.
لقد حرمت الأمة تاريخها ، فصارت "كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" ، و جُهّلت فجهلت. جهلت تاريخها ، و تراثها ، و آثارها ، و أخلاقها ، و آدابها ، و تعاليم ربها و نبيها. إضافة إلى جهلها بما يفعله العالم من حولها ، و ما وصلت إليه الأمم الأخرى من دونها ، و كيف؟ ،،، فصارت "كالأنعام بل هم أضل سبيلا".
ثم ، و بفضل الله و توفيقه و قدرته العلية ، كانت ثورة فبراير المجيدة.
،،، خرجت الأمة من الظلمات إلى النور.
لكنها خرجت عمياء ، بيضاء العينين ، تتلمس طريقها و تصطدم بكل جدار و تتعثر بكل عقبة ، فيمتلئ جسدها المريض أصلا بالكدمات. و كم من أبنائها - الذين لا عزم لهم - صار يحن إلى الزنزانة العفنة لأنه لم يحتمل تلك الصدمات و الكدمات ، غير واع بأنه يتعافى و ما الألم الذي يحسه إلا دلالة على أن جسم الأمة لا يزال حيا قابلا للشفاء.
إلا أن الخروج من الزنزانة المظلمة إلى نور الشمس و الهواء الطلق هو أول و أكبر إنجاز من إنجازات ثورة التكبير.
ثم حاولنا - بسبب قلة خبرتنا و استعجالنا النتائج - البناء على الأنقاض. فحدث أن انهار البناء علينا مرات و مرات، فزادت كدماتنا ، و ألمنا.
إلا أن مجرد قدرتنا على الهدم و محاولة البناء كانت إنجازا عظيما آخر من إنجازات ثورة التكبير.
و لم ندر أن تلك الأنقاض التي تكاسلنا عن إزالتها صارت مقرا للحشرات و القوارض الضارة والأفاعي السامة التي لم تتورع عن لدغنا في كل فرصة ، فحاولنا مكافحتها.
و ذلك إنجاز آخر من إنجازات ثورة التكبير ، لأننا كنا في زنزانتنا مكبلين تنال منا كل دواب الأرض ، دون قدرة على رد أذاها ، كبيرا كان أو صغيرا.
الأمة تتعافى.
جمعيات ، تجمعات ، منظمات ، أحزاب ... الشعب يعيد تنظيم نفسه ، أمور كانت في السابق ضرب من الخيال.
عشرات الصحف ، و مثلها من المحطات الفضائية ، بعد أن كنا نقتات على زبالة محطة واحدة ، تنفث في عقولنا سموم الشيطان الأوحد.
مواقع على شبكة المعلومات ، و صفحات "الفيس بوك" صور ليبيا القديمة ، صور طرابلس القديمة ، لهجتنا القديمة ... الأمة تستعيد تراثها و تاريخها قبل أن يتلاشى.
و هذا إنجاز عظيم من إنجازات ثورة التكبير.
مجلس انتقالي ، مؤتمر وطني عام ، برلمان ، 5 حكومات متتالية ، لجنة دستور ، تكتلات حزبية ، تكتلات عسكرية ، تحالفات ، مفاوضات ، اختلافات ، اتفاقات ... الأمة تخوض تجربتها السياسية ، تتعلم و تتدرب ، تخطئ و تصيب. و من لا يحاول و يخطئ فلن يصيب. و قد كنا محرومين حتى من مجرد المحاولة. و هذا إنجاز عظيم آخر من إنجازات ثورة التكبير.
إن إنجازات ثورة التكبير تتم ببناء الإنسان ، و ليس ببناء الجدران.
فإذا نشأ إنسان فبراير الحر ، فهنالك سيكون الإبداع و سيكون الإنجاز المادي على الأرض مجرد تحصيل حاصل.
إن بناء بيت يحتاج إلى عدة شهور.
فما بالكم ببناء دولة ، و إحياء أمة!
لن يتم الأمر في بضع سنين ، و لو تم لجزمنا يقينا بأن ثورتنا مزيفة.
الثورة تحتاج إلى سنين عددا لتكتمل و تحقق أهدافها.
أما الدولة فبناؤها يحتاج إلى ردح طويل من الزمن.
و إلى كثير من المعاناة ، و الدموع و الدماء و ،،، الصبر.
إلا أن الأمر يستحق ذلك.
و إخراج أمة إلى الوجود يستحق ذلك.
و ليبيا تستحق ذلك.
صحابة النبي صلى الله عليه و سلم جاهدوا و صبروا لمدة 23 عاما و زيادة ، و لم ينالوا من الدنيا شيء سوى بناء الفكر و تجديد الإنسان.
و لم يقولوا "ماذا أنجز الإسلام"
و بشر الصابرين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق